أما عندنا فلا تشترط لأنها من الوسائل كالوضوء، والحق أن التروك داخلة إذا كان فيها كف النفس وهو عمل ولابد فيها من النية حتى يحصل الثواب، ويكون امتثالًا للشارع، فالتارك للزنا مثلًا إن فعل تركه لوجه اللَّه وقصد التقرب يثاب عليه وإلا فلا.
وبالجملة العمل في الأصل عبارة عن الحركة، وههنا يراد به معنى يشتمل الحركات والسكنات، فإن النية معتبرة في الكل.
ثم اعلم أنه قد استثني من هذه الكلية بعض الأحكام مثل صريح الطلاق والإعتاق والبيع والشراء، فإنه لا تشترط فيها النية؛ لأن الشارع عيّن هذه الألفاظ لهذه المعاني وجعلها كأنها عينها، فالتلفظ بها بمنزلة النية، هذا كلامهم، ويوهم أن المراد بالنية ههنا القصد القلبي الذي هو المعنى اللغوي للنية، وإنما المراد ههنا المعنى الشرعي الذي هو قصد التقرب إلى اللَّه، وحصولُ الثواب بدون النية بهذا المعنى في هذه العقود ممنوع، فافهم.
وأما الهزل بالكفر فإنما يكون كفرًا وإن لم يكن هناك نية؛ لأن الهزل بالكفر نفسه كفر، لا من جهة قصد المعنى، وأما صحة الإيمان بالهزل والإكراه فلكونه مقصودًا وحسنًا لذاته فجعلت صورته كمعناه، وفروع الإيمان من العبادات والمعاملات وجزئياتُها واشتراطُ النية وعدمه مذكورة في كتب الفقه فلينظر ثمة.
هذا، والظاهر أن هذا البحث خارج عما هو المقصود من هذا الحديث، فإن المقصود منه الترغيب والحث على رعاية التقرب إلى اللَّه وإرادة وجهه ليصير العمل مقبولًا عنده، ويَنظر هذا إلى رجحان ما قاله الحنفية رحمهم اللَّه.
والنيات جمع النية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور من نوى بمعنى