الغناء ولا اتخذتاه صنعة وكسبًا، ولا تعرفان به، أو ليستا كالمغنيات في التشويق إلى الهوى والتعريض بالفاحشة، والتشبيب الداعي إلى الفتنة كما يشعر به قوله: تغنيان.
وقوله:(بما تقاولت الأنصار يوم بعاث) تقاولت، أي: قال بعضهم لبعض، وتفاخر من أشعار الحرب والشجاعة، وفي رواية: تقاذفت بقاف وذال معجمة من القذف، وهو هجاء بعضهم لبعض، وفي بعضها: تعازفت بعين مهملة وزاي من العزف وهو الصوت الذي له دوي، ومنه المعازف، وبعاث بموحدة مضمومة فمهملة مخففة، وقيل: بمعجمة، وقيل: إنه تصحيف، وتعقب بأن القائل بذلك أبو عبيدة وهو من أئمة اللغة، وبالجملة فيه اختلاف، والأشهر فيه منع الصرف، قيل: اسم موضع بالمدينة على ليلتين، وقيل: اسم حصن للأوس، وقيل: موضع بديار بني قريظة فيه أموالهم، وقع فيه حرب بين الأوس والخزرج قبيلتي الأنصار، وكان فيه مقتلة عظيمة، واستمرت الحرب والعداوة فيهم إلى مئة وعشرين سنة فارتفعت بالإسلام، وذلك قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: ١٠٣]، فالشعر الذي كانتا تغنيان كان في وصف الحرب والشجاعة، وفي ذكره معونة في أمر الدين، وأما الغناء بذكر الفواحش والمنكر من القول فمحظور، وحاشاه أن يجري شيء من ذلك بحضرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله: وهو (متغش بثوبه) أي: متغط به ومتلبس، وفي رواية للبخاري: فاضطجع -يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الفراش وحوّل وجهه، وفي رواية: تغشّى بثوبه، وفي رواية لمسلم: تسجّى، أي: التف بثوبه.
وقوله:(فانتهرهما) أي: زجرهما عن التدفيف والغناء بحضرته، وفي رواية