للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القرطبي: قولها: ليستا بمغنيتين، أي: ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سني الأحوال، وهذا -على التحقيق- من آيات الزندقة، وقول أهل المخرفة (١)، واللَّه المستعان، انتهى كلام القرطبي.

وقال أيضًا في (الفتح) (٢): ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس، وأما التفافه -صلى اللَّه عليه وسلم- بثوبه فيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرفع الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره، والأصل التنزه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفيته تقليلًا لمخالفة الأصل، واللَّه أعلم، انتهى.

قال العبد الضعيف أصلح اللَّه حاله: إن الذي يتبادر من الحديث وفي العدول عنه تعسف أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أنكر التغني والتدفيف وزجر عنهما لما تقرر عنده وهو أعلم بالشريعة من حرمة ذلك أو كراهيته، وظن أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يعلم ذلك لمثل نوم أو غفلة فلم ينه عنه، أو كان يريد أن ينهى فلم يفرغ لذلك، ولم يعلم أبو بكر -رضي اللَّه عنه- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قررهن


(١) في النسخ المخطوطة: أهل الجزية، وهو خطأ.
(٢) "فتح الباري" (٢/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>