وقوله:(إلى اللَّه) و (إلى دنيا)، إما متعلق بالهجرة إن كان لفظ كان تامة، أو خبر لـ (كانت) إن كانت ناقصة، والمراد به أصل الكون والوجود من غير تقييد بزمان من الأزمنة الثلاثة فيشمل الأزمنة كلها، فلا يحتاج إلى قياس أحد الزمانين على الآخر، أو القول بأنه قد علم بالإجماع على أن حكم المكلفين على السواء إلا بعارض.
و(دنيا) بضم الأول، وحكي عن ابن قتيبة كسرها مقصورًا غير منون؛ لأنه غير منصرف لألف التأنيث مثل حبلى، وقد وقع في كلام بعض الشارحين أنه غير منصرف لاجتماع أمرين: الوصفية، والثاني لزوم حرف التأنيث، ولعل الوصفية لأنه تأنيث (أدنى) أفعل التفضيل من الدنو، وهذا في الأصل، وقد صارت اسمًا لما بين السماء والأرض من الجو، أو كل المخلوقات من الجواهر والأعراض، أو لما يصدّ عن اللَّه من الأموال والأهل والأولاد، أو لجميع ما سوى اللَّه كالعالم لدنوها من الزوال، أو للانحطاط من العالم الأعلى، أو لدناءتها وخساستها، ولكن لا يخفى أنه لا حاجة إلى اعتبار الوصفية مع ألف التأنيث لقيامها مقام العلتين، فقد وقع هذا سهوًا من قائلها.
هذا وقد حكي تنوينها، وهو مشكِلٌ لا يظهر وجهه، وقال الشيخ (١): وعزاه ابن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني وضعفها، وحكي عن ابن مغور أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان بحذف كثيرًا من رواية أبي الهيثم حيث ينفرد؛ لأنه لم يكن من أهل العلم، قال: وهذا ليس على إطلاقه، فإن رواية أبي الهيثم في مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره، انتهى.