للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتفصيل الكلام أن السجدة خارج الصلاة على عدة أقسام، أحدها: سجدة السهو وهو في حكم سجدة الصلاة، وثانيها: سجدة التلاوة، ولا خلاف فيهما، وثالثها: سجدة المناجاة بعد الصلاة، وظاهر كلام الأكثرين أنها مكروهة، ورابعها: سجدة الشكر على حصول نعمة واندفاع بلية، وفيها اختلاف، فعند الشافعي وأحمد رحمهما اللَّه سنة، وهو قول محمد رحمه اللَّه، والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة، وعند أبي حنيفة ومالك رحمهما اللَّه ليست بسنة، بل هي مكروهة (١)، وهم يقولون: إن المراد بالسجدة الواقعة في تلك الأحاديث والآثار الصلاة، عبر عنها بالسجدة وهو كثير؛ إطلاقًا للجزء على الكل، أو هو منسوخ، وقالوا: نعم اللَّه لا تعد ولا تحصى، والعبد عاجز عن أداء شكرها، فالتكليف به ولو كان بطريق السنية والاستحباب يؤدي إلى التكليف بما لا يطاق.

هذا ولكن القائلين به يريدون النعم العظيمة التي تحدث نادرًا ينتظرها أو لا ينتظرها، وكذلك وقع في السنة، لا كل نعمة مثل الوجود ولوازمه الثابتة، ولما وقع ذلك من بعض الخلفاء الراشدين -رضي اللَّه عنهم- بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجز القول بالنسخ كما روي عن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بعد وصول خبر قتل مسيلمة الكذاب، وعن علي المرتضى -رضي اللَّه عنه- بقتل ذي الثدية الخارجي رئيس الخوارج، وعن كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- لبشارة قبول توبته الذي تخلف عن غزوة تبوك، وههنا قسم آخر من السجدة يقال لها: سجدة التحية، وجاءت الرخصة فيها في بعض الروايات الفقهية، والمختار حرمتها، واللَّه أعلم.


(١) وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لا أراه شيئًا، قيل في معناه: لا أراه واجبًا بل مباحًا، أو لا أراه شكرًا تامًّا، والتمام الصلاة، وقال محمد وأبو يوسف في إحدى الروايتين عنه: هي -أي: سجدة الشكر- قربة يثاب عليها، وعليه الفتوى. كذا في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" (ص: ٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>