للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْض مَا لَهُ ذَنْبٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [ت: ٢٣٩٨، جه: ٤٠٢٣، دي: ٣/ ١٨٣، ح: ٢٨٢٥].

ــ

ومن عداهم، وعدمه بين ولي وولي؛ إذ مراتب الأولياء متقاربة ليس فيها ذلك التباعد، والتنوين في (صلبًا) للتعظيم، وفي (رقة) للتقليل، وقد تفنن في العبارة حيث جعل الصلابة صفة للرجل نفسه، والرقّة صفة لدينه، إشارة إلى أن الرجل ينبغي أن يكون في ذاته صلابة، والرقة إن كانت كانت في صفته وهو الدين، ففيه من المبالغة في بيان المقصود ما لا يخفى.

وقوله: (اشتد بلاؤه) لأنه يصبر عليه، ويعرف أنه نعمة من اللَّه، وفيه ألطاف خفية منه تعالى، فيكمل إيمانه ويكفر سيآته ويرفع درجاته بذلك، وأما الذي في دينه رقة يهون عليه لئلا يخرج بالبلاء من ربقة الدين، فيؤلف قلبه بالنعم.

وقوله: (حتى يمشي على الأرض ما له ذنب) تفريع على اشتداد البلاء للرجل الصلب وبيان لحاله، قال سيدنا ومولانا الغوث الأعظم محيي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلاني رحمه اللَّه: لا يزال اللَّه يبتلي عبده المؤمن على قدر إيمانه، فمن عَظُمَ إيمانُه وكثر وتزايد عظم بلاؤه، فالرسول بلاؤه أعظم من بلاء النبي؛ لأن إيمانه أعظم، والنبي بلاؤه أعظم من بلاء البدل، وبلاء البدل أعظم من بلاء الولي، كل واحد يُبْتَلى على قدر إيمانه ويقينه، وأصل ذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنا معشر الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل) (١)، فيديم اللَّه تعالى [البلاء] لهؤلاء السادة الكرام حتى يكونوا [أبدًا] في


(١) رواه الترمذي (٢٥٠٩) نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>