للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَتْ عَائِشَةُ -أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ-: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ،

ــ

والاطمئنان بها, لا الموت، وإن كان قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: (إنا لنكره الموت) يوهم به، بدليل قوله: (والموت قبل لقاء اللَّه) أي: وسيلته ومقدمته؛ وإنما ذكرت عائشة -رضي اللَّه عنها- الموت لكونه معترضًا وحائلًا دون الغرض المطلوب ووسيلة إلى اللقاء فيجب أن يصبر عليه، ويحمل مشاقه، كذا ذكر صاحب (النهاية) (١)، وقد أصاب.

وأما قوله: ليس الغرض به الموت لأن كلًا يكرهه، ففيه أن ذلك كراهة جبلة، والمراد الحب الذي يقتضيه الإيمان باللَّه والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلة، كما يدل عليه جوابه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشة -رضي اللَّه عنها-، ولو حمل لقاء اللَّه على ما يعم ما يشاهد عند الموت وما بعده إلى الآخرة لكان وجهًا أيضًا، فافهم.

ومما ينبغي أن يعلم أن المراد بـ (لقاء اللَّه) هو التلاقي والرجوع إلى حضرة عظمته ومشاهدة ما عنده الذي يعبر عنه بالملاقاة، وبالفارسية: بيش آمدن بيك ديكَر، وليس معنى اللقاء الرؤية ولا مستلزمًا لها, ولهذا عدل بعض المحدثين في تعريف الصحابة لمن رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى من لقيه؛ ليشمل العميان من الصحابة، وبهذا يفسر اللقاء في القرآن، وأيضًا لم يثبتوا جواز رؤيته سبحانه بهذه الآيات بل بالخبر المشهور، وبقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وأمثال ذلك، ولو كان معنى اللقاء الرؤية لضاق على المعتزلة المعورة إنكارها؛ لكون الآيات الناطقة بذلك نصوصًا لا تقبل التأويل وإن لم يكن ذلك من مكابراتهم وضلالاتهم بعيدًا.

هذا، وقد قال في (الصراح) (٢): لقاء بالكسر ديدار كردن، وقد فسر بعض الشارحين ما وقع في الدعاء المأثور من قوله: (ولقاؤك حق) بعد تفسيره بالمصير إلى


(١) "النهاية" (٤/ ٢٦٦).
(٢) "الصراح" (ص: ٥٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>