التوفيق للخيرات الذي هو سبب لدخول الجنة، وغلق أبواب جهنم كناية عن تخلص نفوس الصوام من بواعث المعاصي بقمع الشهوات، ولا يحسن حملها على الظواهر؛ لأن ذكرها على سبيل المن على الصوام، وأي فائدة في فتح باب السماء، وكذا في فتح أبواب الجنة وغلق أبواب جهنم؛ لأنه لا يدخل فيها أحد ما دام في هذه الدار إلا أن يقال: المقصود بيان شرف رمضان وفضله على سائر الشهور، وإنزال الرحمة والتوفيق والتخلص المذكور حاصل أيضًا، أو يحمل ذلك على أن الأمر متعلق بمن مات من صوام رمضان من صالحي أهل الإيمان وعصاتهم الذين استحقوا العقوبة، فوصول الروح من الجنة وعدم إصابة لفح جهنم وسمومها عليهم في عالم البرزخ أكثر وأوفر على تقدير الفتح والغلق كذا قيل.
(١) قال القاري (٤/ ١٣٦١): أَيْ قُيِّدَتْ بِالسَّلَاسِلِ مَرَدَتُهُمْ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنِ امْتِنَاعِ تَسْوِيلِ النُّفُوسِ، وَاسْتِعْصَائِهَا عَنْ قَبُولِ وَسَاوِسِهِمْ، إِذْ بِالصَّوْمِ تَنْكَسِرُ الْقُوَّةُ الْحَيَوَانِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْغَضَبِ وَالشَّهَوَاتِ الدَّاعِيَيْنِ إِلَى أَنْوَاعِ السَّيِّئَاتِ، وَتَنْبَعِثُ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْمَائِلَةُ إِلَى الطَّاعَاتِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ أَنَّ رَمَضَانَ أَقَلُّ الشُّهُورِ مَعْصِيَةَ، وَأَكْثَرُهَا عِبَادَةً، انتهى. وقال التُّورِبِشْتِي: ولنا أن نحمل ذلك على ظاهره كما يحمل قوله سبحانه: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [ص: ٣٨] على الظاهر. فان قال قائل: فما أمارة ذلك، ونحن نرى الفاسق في رمضان لا يرعوي عن فسقه، وإن ترك بابًا أتى بابًا آخر؟ . قلنا: أَمَارَةُ ذَلِكَ تَنَزُّهُ أَكْثَرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطُّغْيَانِ عَنِ الْمَعَاصِي وَرُجُوعُهُمْ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وإكبابهم على إقام الصلاة بعد التهاون بها، وإقبالهم على تلاوة كتاب اللَّه واستماع الذكر بعد الإعراض عنهما، وتركهم ارتكاب المحظورات بعد حرصهم عليها. وَأَمَّا مَا يُوجَدُ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ فِي بَعْضِهِمْ ويؤنس عنهم من الأباطيل والأضاليل فَإِنَّهَا تَأْثِيرَاتٌ مِنْ تَسْوِيلَاتِ الشَّيَاطِينِ أُغْرِقَتْ فِي عُمْقِ تِلْكَ النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ، وَبَاضَتْ فِي رُؤُوسِهَا، وقد أشار بعض العلماء فيه إلى المعنى الذي ذكرنا. "كتاب الميسر" (٢/ ٤٥٦).