(٢) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُكْرَهَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَأَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ بُرُودَتُهُ فِي بَاطِنِهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ (٢/ ٣٣٠): وَلَوِ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءً وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا، لأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أثَرُهُ دَاخِلًا مِنَ الْمَسَامِّ، وَالْمُفْطِرُ الدَّاخِلُ مِنَ الْمَنَافِذِ كَالْمدْخَلِ وَالْمخْرَجِ لَا مِنَ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ جَمِيعُ الْبَدَنِ، لِلإِتِّفَاقِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي الْمَاءِ يَجِدُ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ذَلِكَ أَعَنِيَ الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفِ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إِقَامَةِ الْعِبَادَةِ، لَا لأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الإِفْطَارِ، اهـ. فَكَأَنَّ الإِمَامَ حَمَلَ فِعْلَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى إِظْهَارِ الْعَجْزِ وَالتَّضَرُّعِ عِنْدَ حُصُولِ الآلَامِ وَعَلَى ارْتِكَابِ الْحِكْمَةِ فِي دَفْعِ الْمَضَرَّةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالأَسْبَابِ اسْتِعَانة لِلْقِيَامِ بِوَاجِبِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّ الأَرْبَابِ، وَإِشَارَةً إِلَى مُشَاركَتِهِ الأُمَّةَ الآمِنَةَ فِي الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ، مَيْلًا إِلَيْهِمْ وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ كَلَامَ الإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَخِلَافِ الأَوْلَى، وَهُوَ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ إِظْهَارِ الْعَجْزِ لِلرَّحْمَةِ عَلَى ضُعَفَاءَ الأُمَّةِ. مرقاة المفاتيح (٤/ ١٣٩٦)، وفي "الدر المختار" (٢/ ٤١٩): لَا تُكْرَهُ حِجَامَةٌ وَتَلَفُّفٌ بِثَوْبٍ مُبْتَلِّ وَمَضْمَضَةٌ أَوْ اسْتِنْشَاقٌ أَوْ اغْتِسَالٌ لِلتَّبَرُّدِ عِنْدَ الثَّانِي، وَبِهِ يُفْتَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. انتهى. وقال العيني (١١/ ١١): كَراهة الِاغْتِسَال للصَّائِم، رِوَايَة عَن أبي حنيفَة غير مُعْتَمد عَلَيْهَا، وَالْمذهب الْمُخْتَار أَنه لَا يكره، ذكره الْحسن عَن أبي حنيفَة، نَبّه عَلَيْهِ صَاحب "الْوَاقِعَات"، وَذكر فِي "الرَّوْضَة" و"جَوَامِع الْفِقْه": لَا يكره الِاغْتِسَال وبلّ الثَّوْب وصبّ المَاء على الرَّأْس للْحرّ، انتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute