الظاهر أن سؤاله كان من صوم الدهر أو أقل من ذلك، كما فعله عمر -رضي اللَّه عنه-، لا من كيفية الصوم، ولكن يحصل للصوم من ذلك صفة وحالة مخصوصة فيجوز أن يعبر عنها بالكيفية كما يجوز أن يعبر بالكمية أيضًا، كما يظهر ذلك من كلامهم في بيان تخطئة السائل وتسفيهه، وسبب غضبه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه بأنه كان حقه أن يقول: كيف أصوم؟ ، أو كم أصوم؟ ، فيخص السؤال بنفسه ليجاب بمقتضى حاله مع ما فيه من سوء الأدب لوجود المصالح في فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- في القلة والكثرة مما لا يصلح لغيره.
وقوله:(لا صام ولا أفطر) اختلفوا في توجيه معناه فقيل: هذا دعاء عليه كراهة لصنعه وزجرًا له عن فعله، والظاهر أنه إخبار، فعدم إفطاره ظاهر لأنه لم يطعم شيئًا، وأما عدم صومه فلمخالفة السنة، وفيه احتياط لأجره على صومه، وقيل: لأنه يستلزم صوم الأيام المنهية وهو حرام، وقيل: لأنه يتضرر به، وربما يفضي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة، وإلى العجز عن الجهاد والحقوق الأخرى، ويختص النهي على هذه التوجيهات بمن لم يفطر في الأيام المنهية وبمن يتضرر به بضعف، وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى جوازه لمن عداه، واستدلوا بما حكي عن بعض الصحابة كأبي طلحة الأنصاري وحمزة بن عمرو الأسلمي، وقد قررهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، وكثير من التابعين من سردهم الصوم واختيارهم صوم الدهر، وقيل: معناه من اعتاده زال عنه كلفة ومشقة يتعلق به الثواب، وهي الغاية من شرعية الصوم، وهذا على عكس ما أفاده الوجه الأول من الوقوع في الكلفة والمشقة، فافهم.
وقوله:(ويطيق ذلك أحد) على معنى الاستفهام لتبعيده عن درجة القبول