وقال بعض الفضلاء: إن اللَّه تعالى ذكر ليلة القدر في سورة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، ومجموعها سبعة وعشرين، وفيه إشارة إلى أنها الليلة السابعة والعشرون، وهذه وأمثالها كلها أمارات ظنية لا دلائل قطعية، ولا قطع بتعينها لأحد، وإن كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عالمًا بها قطعًا فلم يؤذن بتعينها للصحابة، وإن كان من الصحابة من أعلم بها فهو أيضًا ممنوع عنه، وفي ذلك سر وحكمة، واللَّه أعلم.
وقد روي (١) عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه-: أنه سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأقسم عليه ليخبره بها حتى أغضبه فقال:(لو أذن اللَّه لي أن أخبركم بها لأخبرتكم)، فإن قلت: فكيف حلف أبيّ من غير استثناء وهو يدل على الجزم والتوقيف؟ قلنا: هو مبالغة منه، ولعله حلف على غلبة ظنه، ويجوز الحلف على غلبة الظن، وعدم الاستثناء من باب المبالغة، واللَّه أعلم.
قالوا: قد اختلفت الروايات في تعيين هذه الليلة اختلافًا لا يرتفع معه الخفاء، إذ لم يثبت فيما يعول عليه من النقل من أحد من الصحابة، فإنه ما قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحدث بميقاتها مجزومًا به، وإنما ذهب كل واحد إلى ما ذهب مما تبين له من معاريض الكلام الذي سمعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والفهم يبلغ تارة ويقصر أخرى، والمجتهد يخطئ ويصيب، هذا ما ذكره الشارحون، وأقول: الظاهر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عالمًا به، وأيُّ سرٍّ هذا يكتم له وقد كوشف له من الأسرار ما لا يعلمه إلا اللَّه؟