. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القراءة دون القرآن (١).
(١) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي "الإِتْقَانِ": اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لا أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ؟ فَذَهَبَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ إِلَى الْمَنْعِ؛ لأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مَالِك، وَذَهَبَ آخَرُونَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْضِيلِ لِظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ، قَالَ الْقُرطُبِيُّ: إِنَّهُ الْحَقُّ، وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: الْعَجَبُ ممن يَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي التَّفْضِيلِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي "جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ": لَعَلَّكَ أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْتَ إِلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، وَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إِنْ كَانَ لَا يُرْشِدُكَ إِلَى الْفَرقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَةِ، وَبَيْنَ سُورَةِ الإِخْلَاصِ وَسُورَةِ {تَبَّتْ}، وَتَرْتَاعُ عَلَى اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُكَ الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ بِالتَّقْلِيدِ، فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ: (يس قَلْبُ الْقُرْآنِ)، وَ (فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ)، وَ (آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آي الْقُرْآنِ)، وَ ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى، اهـ كَلَامُهُ. ثمَّ قِيلَ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ الأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسَبِ انْفِعَالَاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ، وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ اللَّفْظِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: ١٦٣] الآيَة، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخِرُ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الإِخْلَاصِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلًا فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وَمَا كَانَ مِثْلَهَا، فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبةِ وَكَثْرتهَا؛ وَاللَّهُ أَعْلَم. ثُمَّ الْقُرْآنُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الْعَلِيِّ، وَعَلَى الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى حَادِثٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي النَّفْسِيِّ، فَهُمْ نَفَوْهُ لِقُصُورِ عُقُولهِمُ النَّاقِصَةِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا إِلَّا اللَفْظِيُّ، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَبَنَوا عَلَى هَذَا التَّعْطِيلِ قَوْلَهُمْ: مَعْنَى كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا أَنَّهُ خَالِقٌ لِلْكَلَامِ فِي بَعْضِ الأَجْسَامِ، وَنَحْنُ أَثْبَتْنَاهُ عَمَلًا بِمَدْلُولِ الأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ فِي النَّفْسي وَحْدَهُ أَوْ بِالِاشْتِرَاكِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ كُلٍّ مِنَ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute