وقال الطيبي (٥/ ١٦٣٦): إن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ صِرْفٍ لَا يُبْرِزُهُ عَنْ مَكْنُونِهِ إِلَّا تَصْوِيرُهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ المجيد لَهُ تَأْثِيرٌ فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَظَاهِرِهِ، وَإِنَّ الْعِبَادَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ النَّصِيبُ الأَوْفَرُ مِنْ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْقَارِئُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ الْبَتَّةَ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّر ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، وَهُوَ الْمُرَائِي، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَؤُهُ، وإِبْرَازُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَصْوِيرُهَا إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهَا وَيُلَائِمُهَا أَقْرَبُ وَلَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ وَالْمُشَبَّهَ بِهَا وَارِدَةٌ عَلَى التَّقْسِيمِ الْحَاصِر؛ لأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِقٌ صِرْفٌ أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ، وَالأَوَّلُ إِمّا مُوَاظِبٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرُ مُوَاظِبٍ عَلَيْهَا، فعَلَى هَذَا قِسِ الأَثْمَارَ الْمُشَبَّهَ بِهَا، وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَمْرَيْنِ مَحْسُوسَيْنِ: طَعْمٌ وَرِيحٌ، وَلَيْسَ بِمُفَرَّقٍ كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِيانتهى.وقال التُّورِبِشْتِي (٢/ ٤٨٩): إن الشارع -صلى اللَّه عليه وسلم- أشار في ضرب هذا المثل إلى معان لا يهتدي إليها إلا من أُيِّد بالتوفيق، فمنها: أنه ضرب المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، والمثل وإن ضرب للمؤمن نفسه فإن العبرة فيه =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute