للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢١١٤ - [٦] وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ،

ــ

٢١١٤ - [٦] (أبي موسى الأشعري) قوله: (مثل الأترجة) (١) بضم الهمزة والراء


(١) قال الحافظ (٩/ ٦٦): قيل: الحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة، لأنه يتداوى بقشرها، وهو مفرح بالخاصية، ويستخرج من حبها دهن له منافع، وقيل: إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج، فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حبه أبيض، فيناسب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كبر جرمها، وحسن منظرها، وتفريح لونها، ولين ملمسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة، ودباغ معدة، وجودة هضم، ولها منافع أخرى مذكورة في المفردات، انتهى.
وقال الطيبي (٥/ ١٦٣٦): إن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ صِرْفٍ لَا يُبْرِزُهُ عَنْ مَكْنُونِهِ إِلَّا تَصْوِيرُهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ المجيد لَهُ تَأْثِيرٌ فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَظَاهِرِهِ، وَإِنَّ الْعِبَادَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ النَّصِيبُ الأَوْفَرُ مِنْ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْقَارِئُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ الْبَتَّةَ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّر ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، وَهُوَ الْمُرَائِي، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَؤُهُ، وإِبْرَازُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَصْوِيرُهَا إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهَا وَيُلَائِمُهَا أَقْرَبُ وَلَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ وَالْمُشَبَّهَ بِهَا وَارِدَةٌ عَلَى التَّقْسِيمِ الْحَاصِر؛ لأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِقٌ صِرْفٌ أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ، وَالأَوَّلُ إِمّا مُوَاظِبٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرُ مُوَاظِبٍ عَلَيْهَا، فعَلَى هَذَا قِسِ الأَثْمَارَ الْمُشَبَّهَ بِهَا، وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَمْرَيْنِ مَحْسُوسَيْنِ: طَعْمٌ وَرِيحٌ، وَلَيْسَ بِمُفَرَّقٍ كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي
انتهى.
وقال التُّورِبِشْتِي (٢/ ٤٨٩): إن الشارع -صلى اللَّه عليه وسلم- أشار في ضرب هذا المثل إلى معان لا يهتدي إليها إلا من أُيِّد بالتوفيق، فمنها: أنه ضرب المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، والمثل وإن ضرب للمؤمن نفسه فإن العبرة فيه =

<<  <  ج: ص:  >  >>