للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَالأَمَانَةُ، وَالرَّحِمُ تُنَادِي: أَلَا مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّه". رَوَاهُ فِي "شَرْح السُّنَّةِ" [شرح السنة: ٣٤٣٣].

ــ

أحكامه وحدوده، وأيضًا يحاج ويخاصم عنهم بسبب محافظتهم عليها، وقد ورد أن القرآن حجة لك أو عليك، وظاهر سياق هذا الحديث أيضًا ناظر في ذلك كما قال في الرحم: (من وصلني وصله اللَّه، ومن قطعني قطعه اللَّه) كذا قيل، لكن إرادة كلا المعنيين هنا لا يخلو عن الإشكال، فافهم، وهذه مع قوله: (له ظهر وبطن) (١) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد علم معنى الظهر والبطن في كتاب العلم، والمراد بـ (الأمانة) حفظ حقوق الناس في أموالهم وأعراضهم ودمائهم، أو يخص بالأموال كما في الودائع، فإنه قد يتبادر منه هذا المعنى، وإلا فالأمانة المشار إليها بقوله تعالى:


(١) قال القاري: "ظَهْرٌ" أَيْ: مَعْنًى ظَاهِرٌ يَسْتَغْنِي عَنِ التَّأَمُّلِ يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ أَدَوَاتُ فَهْمِهِ، "وَبَطْنٌ" أَيْ: مَعْنًى خَفِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ مِنْ إِشَارَاتٍ خَفِيَّةٍ لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا خَوَاصُّ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَالِمِينَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْدَادِ وَحُصُولِ الإِمْدَادِ، وَقِيلَ: ظَهْرُهُ تِلَاوَتُهُ كَمَا أُنْزِلَ، وَبَطْنُهُ التَّدَبُّرُ لَهُ، وَقِيلَ: ظَهْرُهُ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَبَطْنُهُ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّفَاوُتُ فِي فَهْمِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَإِنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّ مَا يُحَاوِلُهُ الإِنْسَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَائِرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّق بغَيْرِه، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ وَأَهْلِهِ، فَالْقُرْآنُ وصْلَةٌ إِلَى أَدَاء حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالأَمَانَةُ تَعُمُّ النَّاسَ، فَإِنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ وَسَائِرَ حُقُوقِهِمْ أَمَانَاتٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَقَامَ الْعَدْلَ، وَمَنْ وَصَلَ الرَّحِمَ، وَرَاعَى الأَقَارِبَ بِدَفْعِ الْمَخَاوِفِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَقَدْ أَدَّى حَقَّهَا، وَقَدَّمَ الْقُرْآنَ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالأَخِيرَيْنِ، وَعَقَّبَهُ بِالأَمَانَةِ لأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنَ الرَّحِمِ، وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الرَّحِمِ، وَصَرَّحَ بِالرَّحِمِ مَعَ اشْتِمَالِ الأَمْرَيْنِ الأَوَّلَيْنِ عَلَى مُحَافَظَتِهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا أَحَقُّ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالْحِفْظ، انتهى. "مرقاة المفاتيح" (٤/ ١٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>