ولذا وصفها بصيغة الجنس للتعميم، وقال:(تسألنيها) على وزن {طَائِرٍ يَطِيرُ}.
لما سأل رسول اللَّه -ومحبوبه ومقبوله في الحضرة -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث مرات (أن هون على أمتي)، بارك سبحانه وتعالى عليه وكرّمه زيادة بركات وتكريمات متعلقة بأمر الآخرة لأمته المرحومة بعد أن أنجح مرامه وأسعف سؤله فيهم في أمر الدنيا بجميع التيسير والتسهيل عليهم في الدنيا والآخرة، فأمره تعالى بأن يسأله ثلاث مسائل، فسأل صلاة اللَّه وسلامه المغفرة لهم ثلاثًا، فالأولى للسابقين لما يصدر عنهم من الهفوات والزلات ما لا يليق بشأن قربهم ومكانهم من اللَّه على ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، والثانية للمقتصدين المقصِّرين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وأَخَّرَ الثالثة للظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكابهم المعاصي وانهماكهم فيها، حتى لعل واحدًا منهم لم يكن فيهم إلا مثل حبة خردل من إيمان أو خير.
قال الطيبي (١): إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الدعوات الثلاثة مقصورة على دعوة واحدة -وهي المغفرة- اقتصارًا على الأهم والأصل الجامع لجميع الخيرات، وامتثل أمره تعالى بالتثليث بتكراره ثلاثًا بطريق التأكيد، أو في أزمنة متعددة مرتين في الدنيا ومرة في الآخرة يوم تظهر رفعة شأنه وعظمة برهانه، وذلك اليوم يوم ينادي كل نبي: نفسي نفسي، وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:(أمتي أمتي).
وقوله:(حتى إبراهيم) تخصيصه بالذكر لأنه أبوه وأصله وأفضل الأنبياء بعد نبينا صلوات اللَّه وسلامه عليه كما نص عليه العلماء، وليس عنهم نص في غيره من الأنبياء