ومعنى الحديث: لا أشد حلمًا وصبرًا عن فاعله وتركًا للمعاقبة عليه من اللَّه سبحانه، وهذا التركيب يفيد في الأصل نفي الأشدية من غير اللَّه سبحانه، فإما أن يكون مساويًا أو ناقصًا، ولما استحال الأول تعين الثاني، والصبر والحلم موجودان في غير اللَّه سبحانه ممن يتخلق بالأخلاق الكريمة، ولكنهما فيه سبحانه وتعالى أتم وأكمل كما في غيرهما من الصفات الكاملة، وفي العرف يفيد الأشدية فيه تعالى كما ذكروا في أمثال هذا التركيب، وقد ذكروا وجهه بأن مساواة اثنين في صفة غير واقع، فإذا انتفت الأفضلية من أحد تثبت للآخر.
هذا وقال الطيبي (١) ما ملخصه: المراد نفي ذات المفضل وقلعه من أصله، فإذا انتفت انتفت المساواة والنقصان، وجعله من قبيل: لا ضب بها ينجحر، والغرض نفي الضب من أصله، وإنما ضمت إليه الصفة ليصير كالشاهد على نفي الصفة، والمعنى لا ضب هناك حتى يكون الانجحار، انتهى.
وفي حمل الحديث على هذا المعنى خفاء ظاهر، فإن المفهوم منه صريحًا نفي الأصبرية من غيره تعالى مع وجود الصابرين، وهو يستلزم أصبريته تعالى عرفًا كما قررنا لا نفي الصابرين، مع كونه غير واقع لكثرة وجود الصابرين، والصفة ههنا هي أصبرية غيره تعالى، وهو غير لازم للموصوف كالانجحار للضب، فلا يكون من ذلك القبيل، ثم تعينه النقصان مما لا دخل له في المقصود؛ لأن المقصود دفع الإشكال بأنه يلزم من نفي أصبرية غيره تعالى احتمال كونه مساويًا له تعالى في الصبر، ولا محذور في كونه ناقصًا على ما قررنا، فتأمل حتى يظهر المقصود.