من اختيار الحق أولى، ولهذا قال الواسطي: اختيار ما جرى لك في الأزل خير لك من معارضة الوقت، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرًا عن اللَّه تعالى (١): (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).
وقال قوم: يجب أن يكون العبد صاحب دعاء بلسانه وصاحب رضًى بقلبه؛ ليأتي بالأمرين جميعًا.
قال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه اللَّه: والأولى أن يقال: إن الأوقات مختلفة، ففي بعض الأحوال الدعاء أولى من السكوت وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب، وإنما يعرف ذلك في الوقت؛ لأن علم الوقت يحصل في الوقت، فإذا وجد بقلبه إشارة إلى الدعاء فالدعاء أولى، وإذا وجد إشارة إلى السكوت فالسكوت له أولى.
ويصح أن يقال: ينبغي للعبد أن لا يكون ساهيًا عن شهود ربه تعالى في حال دعائه، ثم يجب أن يراعي حاله، فإن وجد من الدعاء زيادة بسط في وقته فالدعاء له أولى، وإن عاد إلى قلبه في وقت الدعاء ووجد شبه زجر ومثل قبض فالأولى ترك الدعاء في هذا الوقت، وإن لم يجد في قلبه لا زيادة بسط ولا حصول زجر فالدعاء وتركه هنا سِيَّانِ، وإن كان الغالب عليه في هذا الوقت العلم فالدعاء أولى لكونه عبادة، وإن كان الغالب في هذا الوقت المعرفة والحال فالسكوت والسكون أولى.
ويصح أن يقال: ما كان للمسلمين فيه نصيب أو للحق سبحانه وتعالى فيه حق فالدعاء أولى، وما كان لنفسك فيه حظ فالسكوت أتم، وفي الخبر المروي:(أن العبد يدعو واللَّه تعالى يحبه فيقول: يا جبرئيل أخِّر حاجة عبدي؛ فإني أحب أن أسمع صوته)،