وقوله:(فإن ذكرني في نفسه) أي: سرًّا (ذكرته في نفسي) أي: أُسرُّ ثوابَه وأتولى بنفسي إثباته بحيث لا يعلمه أحد من الملائكة، كذا قالوا، ولا يخفى أن للَّه تعالى كلامًا نفسيًّا ولفظيًّا كما حقق في موضعه، فيذكر العبدَ بكلا الكلامين، ولا محذور فيه، والثواب لازم لذكره تعالى عبدَه وأثرٌ له، وهذا كما قالوا: إن محبة اللَّه للعبد توفيقُه له، والتحقيق أن المحبة صفة للَّه تعالى من غير أن يكون هنا انجذاب وانفعال، والتوفيق أثره ولازمه، فتدبر.
وقال القاضي عياض: يحتمل كونه على ظاهره تشريفًا له.
وقوله:(وإن ذكرني في ملأ) الملأ بفتح الميم واللام واحد الأملاء، وهم أشراف القوم ورؤساؤهم ومقدَّموهم، وفيه دليل على جواز الذكر جهرًا.
وقوله:(ذكرته في ملأ خير منهم) قد يستدل بهذا على أفضلية الملائكة من البشر، قال الطيبي (١): المراد ملأ من الملائكة المقربين وأرواح المرسلين لا الملائكة فحسب.
وفيه نظر؛ لأن النقص باق بالذاكر في مجلسه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن يقال: إن روحه الأقدس قد كان في الملائكة في الأوقات، وبهذا صار ذلك الملأ خيرًا، ولا يجب أن يكون في وقت الذكر هنالك.
والأحسن أن يقال: الخيرية من جهة النزاهة والتقدس والعلو والقرب ثابتة للملأ الأعلى, وهي لا تنافي أفضيلة البشر من جهة كثرة الثواب كما قالوا، وإلى هذا مآل