للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع صدق العزم بقلبه على أن لا يعود، وقضاء ما فات فيما يمكن قضاؤه في حقوق اللَّه، ورد المظالم في حقوق العباد، وقد تسند التوبة إلى اللَّه تعالى، ويقال: تاب اللَّه عليه بمعنى: وفقه للتوبة، أو رجع عليه بفضله وقبوله، أو رجع من التشديد إلى التخفيف، أو من الحظر إلى الإباحة، ومن أسمائه -صلى اللَّه عليه وسلم-: نبي التوبة، لأنه كان يستغفر ويتوب في كل يوم سبعين مرة أو مئة مرة.

وسئل جنيد -رحمه اللَّه-: التوبة ما هي؟ فقال: هو نسيان ذنبك، ومعناه: أن تخرج حلاوة ذلك الفعل من قلبك خروجًا لا يبقى له في سرّك [أثر]، حتى تكون بمنزلة من لم يعرف ذلك قط.

وسئل سهل -رحمه اللَّه- فقال: أن لا تنسى ذنبك، كذا في (التعرف) (١)، وقال في شرحه: أشار سهل إلى أحوال المريدين لخوفهم من العقوبة وفرط مجاهدتهم، وأما الجنيد فإنه أشار إلى توبة المحققين، لا يذكرون ذنوبهم لما غلب على قلوبهم من عظمة اللَّه ودوام ذكره تعالى.

وقال بعضهم: يجوز أن يراد بنسيان الذنب تركُ العود إليه في المستقبل، لا نسيان ما سبق من الجفاء في حال الوفاء، وأما قول سهل فقد فسر بأنه لا يزال خائفًا من عقوبته وعلى حذر من الوقوع في مثله، فتجعله نصب عينيك، انتهى.

والتوبة مقبولة بفضل اللَّه وحسب وعده الصادق، وإنما يشك فيه للشك في تحقق الشروط والأركان وهي دقيقة، كما يَشك شارب المسهل في حصول شروط الإسهال في الدواء باعتبار الحال والوقت، وكيفيةِ خلط الدواء وطبخه وجودة عقاقيره وأدويته.


(١) "التعرف لمذهب أهل التصوف" (ص: ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>