وقد وقع في بعض الروايات:(أن اغتسلي وأحرمي) كما مرّ في أول الباب من حديث جابر: فأمرها برفض تلك العمرة التي كانت أحرمت بها أولًا والانتقال إلى الحج، المفرد، فلما أن حجها أمرها بالاعتمار قضاء لتلك العمرة السابقة، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، فإن مذهبهم أن المرأة إذا تمتعت وأحرمت للعمرة فحاضت قبل الطواف تركت العمرة وأحرمت للحج المفرد، ثم قضت العمرة، ويستدلون بهذا الحديث عن عائشة.
وقال الأئمة: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عائشة بالقران، فلما طهرت وأفاضت من عرفات فطافت وسعت، تم لها الحج والعمرة، كما هو حال القارن، قالت: يقع في نفسي أني طفت للعمرة بعد الوقوف، وكان وقته قبله، بعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر، حتى أحرمت من التنعيم، واعتمرت، فهذه عمرة زائدة على ما وجب عليها، أمرها بها تطييبًا لقلبها وجبره، وإلا كان الطواف والسعي اللذَين فعلتهما بعد الإحرام كفتها (١) من الحج والعمرة كما للقارن، فكانت -رضي اللَّه عنها- متمتعة في الابتداء، وصارت قارنة في الانتهاء، وما جاء في الروايات:(ارفضي عمرتك)، و:(دعي عمرتك)، و:(اقضي عمرتك)، يؤيد مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وهم يؤولونها بأن المراد برفض العمرة وتركها التحلل منها، وما جاء في رواية:(أمسكي عن العمرة) محتمِل للوجهين.
وقوله:(وأمرني أن أعتمر مكان عمرتي) أي: بدلها قضاءً لما فات، وهذا أيضًا يؤيد مذهبنا.