لما كان أفعال الحج كثرها مما (١) لا يدرك العقلُ أسرارَها، ووجهَ كونها عبادة خصوصًا مثل رمي الجمار والسعي من هنا إلى ههنا، بل هو أمور تعبدية محضة، أشار إلى أن شرع كل منها لإقامة ذكر اللَّه في حد أنفسها، وبما يقارنها من الأذكار والأدعية، وإن لم يظهر عند العقل، على أن العاقل إذا تفكر في السعي والرمي مثلًا يتحير، ولم يفهم منها إلا التعبد المحض، ويرى عقلَه معزولًا مضمحلًّا عند تلك الحركات، فلا يرى غير اللَّه ولا يذكر سواه.
٢٦٢٥ - [٨](عنها) قوله: (قال: لا) أي: لا تبنوا، و (المناخ) موضع إناخة الإبل، والمراد هنا المنزل، يعني: أن منى ليست مختصًّا بأحد، وإنما هو موضع العبادة، فلو أجيز فيها البناء لكثرت الأبنية وتضيَّق المكان بالشوارع ومقاعد الأسواق، وهذا توجيه الشافعية، وعندنا وجه النهي: أن أرض الحرم موقوفة، لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتح مكة قهرًا، وجعل أرض الحرم موقوفة، فلا يجوز أن يتملكها أحد، وقال بعضهم: إنما لم يأذن في البناء لنفسه والمهاجرين بمنى؛ لأنها دار هاجروا منها للَّه تعالى، فلم يختاروا أن يعودوا إليها أو يقيموا فيها، وقد سبق شيء من ذلك في (باب صلاة السفر).