للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْربُ النَّفَقَةُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: ٢٥١٢].

ــ

وقوله: (وعلى الذي يركب) أي: سواء كان راهنًا أو مرهونًا.

وهذا الحديث يدل على أن للمرتهن أن ينتفع بالرهن وينفق عليه، وجمهور الفقهاء على خلافه، وفي (الهداية) (١): وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن، ونفقة الرهن على الراهن، وقالوا: هذا الحديث منسوخ بالحديث الآتي (٢).


(١) "الهداية" (٤/ ٤١٥ - ٤١٦).
(٢) قَالَ الطِّيبِيُّ (٧/ ٢١٦٥): وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْهُونَ لَا يُهْمَلُ وَمَنَافِعَهُ لَا تُعَطَّلُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ ينْتَفِعَ بِهِ وَيُنْفقَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ غُنْمُهُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَالْعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَن مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ مُطْلَقًا وَنَفَقَتَهُ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ لَهُ، وَالْفُرُوعُ تَتْبَعُ الأُصُولَ، وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ". وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الْمَرْهُونِ بِحَلْبٍ وَرُكُوبٍ دُونَ غَيْرِهِمَا وَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنْ يُقَالَ: دَلَّ الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الإِنْفَاقِ، وَانْتِفَاعُ الرَّاهِنِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ إِبَاحَتَهُ مُسْتَفَادَةٌ لَهُ مِنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ لَا مِنَ الإِنْفَاقِ، وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَجَوَازُ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ غَيْرُ مَقْصُورِ عَلَيْهِمَا، فَإِذًا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ مِنَ الْمَرْهُونِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بآية الرِّبَا، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى انْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِمَنَافِعِ الْمَرْهُونِ بِدَيْنِهِ، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا، وَالأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي "بِنَفَقَتِهِ" لَيْسَتْ لِلْبَدَلِيَّةِ بَلْ لِلْمَعِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الظَّهْرَ يُرْكَبُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْنَعُ الرَّهْنُ الرَّاهِنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ، وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الإِنْفَاقُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ. "مرقاة المفاتيح" (٥/ ١٩٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>