للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذه الصفة هي التي تسمى بالاختيار، وجعل اللَّه تعالى قصد العبد سببًا عاديًا لوجود الفعل بخلقه تعالى كسائر الأسباب العادية، مثل النار للإحراق، والماء للتبريد، وعلى السبب العادي ما جرت عادة اللَّه سبحانه بخلق شيء بواسطته، فاللَّه تعالى إنما يخلق الحرارة بعد استعماله النار، فاستعمال النار سبب عادي للإحراق، وخلقه تعالى سبب حقيق، فإذا استعملت النار تحت الماء خلق اللَّه الحرارة وأوجدها فيه، ولو شاء ما خلق الحرارة وإن استعملت النار، ولو شاء أوجدها بدون النار، وذلك خرق العادة، ولكن جرت العادة بأن يخلقها بوساطة النار، فالنار وحرارتها وإحراقها كلها بخلق اللَّه تعالى، وهو السبب الحقيقي للإحراق، والنار سبب عادي جعلها اللَّه سببًا للإحراق، فكذلك قصد العبد واختياره سبب عادي لوجود الفعل يوجده بعد وجود القصد من العبد كإيجاد الحراراة وخلقها بعد وجود النار.

وهذا معنى ما اشتهر بينهم أن إرادة الجزئية من العبد مقدم على خلق اللَّه، فصرف العبد اختياره وترجيحه أحد طرفي الفعل والترك يسمى بالكسب، وإيجاد اللَّه تعالى إياه بالخلق، فالكسب من العبد، والخلق من اللَّه، فكما أن إنكار وساطة النار وسببيتها العادية للإحراق جهل ومخالف لنفس الأمر، كذلك إنكار مدخلية كسب العبد في وجود الفعل، فليس قدرة العبد مستقلة في إيجاد الفعل، وليس وجود الفعل بقدرته، وكيف يكون كذلك وذات العبد وصفاته التي هي مبادئ أفعاله ليست منه وليس لقدرته مدخل فيها؟ فكيف يكون أفعاله صادرة بخلقه وقدرته؟ نعم له مدخل فيها، وهو فاعلها، فليس العبد مستقلًا في أفعاله خالقًا له كما يقول القدرية، وليس حركاته مثل حركات الجماد بحيث لا يكون له قصد واختيار فيها كما يقوله الجبرية، أما الثاني فالضرورة شاهدة له، وأما الأول فبإخبار الشارع بذلك كقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] وغير

<<  <  ج: ص:  >  >>