واعلم أن الأئمة اختلفوا في أن الخمر مخصوص بماء العنب أو عام، وسيأتي الكلام فيه في (باب بيان الخمر).
قال بعض المفسرين: نزلت في الخمر أربع آيات، نزلت بمكة:{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل: ٦٧]، فكان المسلمون يشربونها وهي حلال لهم، ثم إن عمر ومعاذًا ونفرًا من الصحابة قالوا: يا رسول اللَّه! أَفْتِنا في الخمر فإنها مَذهَبةٌ للعقل مَسلَبةٌ للمال، فنزلت:{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[البقرة: ٢١٩] فشربها قوم وتركها آخرون، ثم دعا عبد الرحمن ناسًا منهم فشربوا وسكروا، فأمَّ بعضُهم فقرأ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فنزلت {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣] فقَلَّ مَن يشربها، ثم دعا عِتبان بن مالك قومًا فيهم سعد بن أبي وقاص، فلمَّا سكروا افتخروا وتناشدوا، حتى أنشد سعد فيه هجاء الأنصار، فضربه أنصاري بلِحاء بعير، فشجَّه موضحةً، فشكا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} إلى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة: ٩٠ - ٩١]، فقال: انتهينا يا رب، وجاء في السنن قريبًا من ذلك وفيها: انتهينا، رواه أبو داود والترمذي والنسائي (١).
قال بعض العلماء: والتحريم في الآية من نحو عشرة أوجه: تسميتُها رِجسًا وهو المستقذَرُ، وجعلُها من عمل الشيطان، والأمرُ باجتنابها، وجعلُ الفلاح مرَّتبًا على اجتنابها، فمَن لم يجتنبها لم يفلح، وجعلُها توقعُ العداوةَ والبغضاء وتصدّ عن ذكر اللَّه