للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بينهما، ولما رأى الشيخ هذا الإلحاح المتواصل من شيخه قرر الرجوع إلى الهند.

لما ودعه الشيخ عبد الوهاب أكرم تلميذه، ورجع الشيخ المحدث إلى الهند سنة ١٠٠٠ هـ، وهذا العهد الذي اتَّخذَتْ فيه أفكار الملك أكبر صورة الدين الإلهي، وكانت بيئة البلاد كلها قد فسدت، وعمّ الإعراض عن الشريعة والسنة، ويُسْخَر في البلاط الملكي بالشعائر الدينية ويستهزأ بها، فقد أثر ضلال الملك أكبر في حياة عامة الناس. ورجع الشيخ في هذه الظروف المؤلمة، وكان الشيخ متألمًا بهذا الوضع المؤلم في البلاد، فقرر أن يجلس لتدريس الحديث في زاوية بدهلي، وكانت هي المدرسة الأولى في شمالي الهند في ذلك العهد لتدريس الحديث الشريف، وكان الكتاب والسنة في هذه المدرسة قطب الرحى، وذكر الشيخ في كتابه (أخبار الأخيار) اشتغاله بالتعليم والتدريس بتواضع كبير، يقول: أبذل كل جهد في هذا السبيل، وأقوم بأشد رياضة في ذلك، وأقضي أيامي مشتغلًا بالتعليم والإفادة -معاذ اللَّه- بل بالتعلم والاستفادة، لا يهمني أمرُ صالحٍ أو فاسقٍ، معرضًا عن صحبة هذا وذا، وواصل الشيخ اشتغاله بالتدريس


= غيره من المشايخ، وتصدر للدرس والإفادة بعده بمكة المباركة، وتزوج بها حين بلغ خمسين سنة من عمره. وكان على قدم شيخه في الزهد والتورع والاستقامة على الطريقة، أخذ عنه الشيخ عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي وخلق كثير من العلماء والمشايخ، وكان مشايخ الحرمين الشريفين يعتقدون فيه خيرًا وصلاحًا ويقولون: إنه على قدم الشيخ أبي العباس رحمه اللَّه، [هو أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الأنْصَارِيّ المرسي المتوفى ٦٨٦ هـ].
قال عبد الحق بن سيف الدين المذكور في "أخبار الأخيار": إنه لقيني شيخ من شيوخ العرب وقال: إني سافرت إلى اليمن وأدركت المشايخ والدراويش فوجدتهم كلهم متفقين على الثناء عليه والأخبار بأنه قطب مكة في وقته، وقال: إن عبد الوهاب استقام على المشيخة ستًا وثلاثين سنة بمكة وما فاتته حجة في أيام إقامته، انتهى. توفي سنة إحدى وألف، هذا هو الصحيح. انظر: "الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام" (٥/ ٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>