لما أنه كان في الجاهلية رقى فيها أسماء الشياطين والأصنام، وكانوا منهمكين فيها، ويرون التأثير منها، حسمًا لمواد الشرك ومراسم الكفر.
ثم لما نزل القرآن العظيم الذي هو هدى وشفاء للمؤمنين استرقى به، وما كان من رقى الجاهلية أمر بعرضها عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما لم يكن فيه بأس أجازه وأمر به أمر ترخيص وإباحة، فتارة خصص بعض الأدواء بالذكر اهتمامًا بشأنه لشيوعه فيما بينهم وكثرة النفع في الاسترقاء فيها، وربما ذكر في بعضها بطريق الحصر بأنه لا رقية إلا فيه، ومبناه أيضًا على المبالغة والاهتمام.
ويحتمل أن يكون وقوع الرخصة بالترتيب بأن رخص في بعضها ثم في بعض آخر بناء على الاهتمام المذكور، وبالجملة الرقية جائزة في كل داء وعلة ومن عين الإنسان والجن بالقرآن والأسماء الإلهية خالصة، أما بغيرها مجردة أو مخلوطة فلا، وكذا بما لم يعلم معناه إلا إذا ثبت من جانب الشارع كما في رقية العقرب:(شَجنية قَرَنيّهٌ مِلْحَةُ بَحْر قَفَطَا)، ذكره الجزري في (الحص الحصين)(١) برمز (طس)، وليس أن الرقية بغير الكلمات الإلهية لا تؤثر ولا تنفع، بل ربما كان ظهور الأثر فيها أسرع، وهذا هو مزلة أقدام الزائغين، بل قمعًا لمادة الشرك والكفر وتثبيتًا لقدم التوحيد، ولا بد أن تكون عاقبته وخيمة كما سيأتي من حديث زينب امرأة ابن مسعود، وقالوا: إن الجن لمكان معاداتهم الإنسان طبعًا يحبون الشياطين بهذه العلاقة؛ لأن عدو العدو حبيب، فإذا قرأ الغرائم والرقى بأسماء الشياطين يجيبونها ويخرجون من مواضعها، وكذا لديغ الحية فإنه ربما يكون أثر الجن لتمثله بها بما استرقي بأسماء الشياطين، يسيل سمها