لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه، ومنه قيل للقصير: متقارب، وجاء في حديث آخر صريحًا:(لم يكد يكذب رؤيا المؤمن في آخر الزمان)، وسمعت من بعض مشايخي أن المراد اقتراب زمان الموت.
وثانيها: أن المراد زمان استواء الليل والنهار؛ لأن الأمزجة في هذا الزمان أصح وأعدل، فتكون الرؤيا سالمة عن الخلل والتخليط.
وثالثها: أن المراد بتقارب الزمان أن تكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، ووقع في الحديث:(الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم)، والمراد بها الأسبوع، وذلك أيضًا يكون في آخر الزمان لذهاب الخير والبركة ورفاهية الحال فيه، وقيل: بل يكون في زمان المهدي وبسطة عدله لأنه زمان حسن العيش والنعم والراحة، وهو وإن امتد وطال يرى قصيرًا بخلاف زمان الهم والغم ونكد العيش، فإنه وإن قصر وقل يرى ممتدًا طويلًا، ففي زمن المهدي تجيء الرؤيا الصادقة لأنه زمان الصدق، وقد جاء في الحديث:(أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا).
وقال بعض الشراح: إن اقتراب الزمان كناية عن قصر العمر وقلة البركة، أو المراد تقارب أهل الزمان في الشر والفساد، أو تقارب أجزء الزمان وتشابههما في الشر، أو انقراض زمن الدول والقرون وانقطاعه، فيتقارب أزمانها، ولا يخفى أن سياق الحديث ناظر إلى أن صدق الرؤيا عند اقتراب الزمان من جهة قوة الإيمان وكماله بغلبة الصدق والسداد، فتوجيه تقارب الزمان بالتقارب في الشر والفساد لا يناسبه إلا أن يقال: إن صدق الرؤيا في ذلك الزمان بخاصية لا نعلمها ولا يحيط علمنا بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله:(ورؤيا المؤمن جزء. . . إلخ)، قد يختلج هنا أن هذا يدل على كون رؤيا المؤمن مطلقًا لا يكذب، وقد علقه باقتراب الزمان، ولا بد أن يكون ذلك علة