للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقلبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: الدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: ٧٢٨١].

ــ

فإنه نائم، وقال بعضهم: إن تأثير نومه إنما هو في تعطل عينيه الشريفة عن إدراكها، وأما علمه بالقلب فباقٍ فيسمعه، كما جاء في الحديث: (تنام عيناي ولا ينام قلبي).

وقوله: (مثله كمثل رجل) هذا من التشبيه التمثيلي الذي هو تشبيهه هيئة منتزعة من مجموع بأخرى مثلها، كقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ} الآية [الكهف: ٤٥]، كما حقق في علم البيان، إذ ليس المراد تشبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل بل بداعي رجل كما يظهر من بيان التشبيه، و (المأدبة) طعام يدعى إليه الناس، ومنه حديث: القرآن مأدبة اللَّه، ومنه: إن للَّه مأدبة من لحوم الروم أي: تقتلون فتأكل من لحومهم السباع، والمشهور فيه ضم الدال ويجوز الفتح.

وقوله: (أولوها له) أي: فسروا هذه الحكاية والقصة العجيبة لصاحبكم، من آل الأمر إلى كذا أي: رجع إليه، ومنه قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧]، أي ما يرجع إليه من حقيقة معناه المراد يقينًا، وليس المراد التأويل بمعنى الصرف عن الظاهر، و (يفقهها) بالجزم ويجوز الرفع، و (فرق) روى صيغة الفعل من التفريق، وبلفظ المصدر نحو رجل عدل، والمراد أن -صلى اللَّه عليه وسلم- يفرق ويميز بين المؤمنين والكافرين

<<  <  ج: ص:  >  >>