يرحمك اللَّه) ظاهر هذه العبارة دال على أن جواب العاطس بـ (يرحمك اللَّه) فرض عين على كل مسلم، وقد اختلف العلماء في ذلك، والصحيح من مذهب الحنفية أنه واجب على الكفاية، إن أتى به واحد من الحاضرين يجزئ عن الكل، وفي رواية: يستحب، وقال صاحب (سفر السعادة)(١): إن ظاهر الأحاديث الصحيحة أن جواب العاطس فرض على كل أحد، ولا يجزئ جواب واحد عن الكل، قال: وهذا قول الأكابر من العلماء، انتهى.
ومذهب الشافعية أنه سنة على الكفاية، إن أتى به واحد سقط عن الباقين، ولكن الأفضل أن يأتي به الكل، وللمالكية خلاف في أنه واجب أو سنة، والأظهر الأول، واتفقوا على أن وجوبه أو سنيته إنما هو على تقدير أن يحمد العاطس ويسمعه الحاضر؛ فإن لم يحمد لم يستحق الجواب، وإن أخفى بحيث لم يسمعه الحاضر لم يلزمه أيضًا، والمستحب أن يجهر بالحمد حتى يسمعه الناس، كذا في (مطالب المؤمنين).
ثم الحكمة في تشريع الحمد عند العطاس أنه نعمة دينية وبدنية، أما الدينية فلكونها معينة على الطاعة وحضور القلب مع اللَّه كما عرف، وأما كونها بدنية فلحصول المنفعة فيه بخروج البخارات المختفية من الدماغ التي بقاؤها يورث الأمراض والأوجاع، وقالوا: إن العطسة علامة على صحة الدماغ وقوة مزاجه؛ لأن المؤذي يصعد من الجوف إلى الدماغ؛ فإذا كان الدماغ صحيحًا قويًّا دفعه ولم يقبله، وذلك بالعطسة، وإن كان ضعيفًا ولم يقدر على دفعه قبله، ولم تجئ العطسة لمنعه.