الإسلام وشطره، وثاني شطريه هو الاشتغال بالعبادة كالتحلية بعد التخلية، فيكون في معنى قوله:(الطهور شطر الإيمان) على تأويل.
ومن العجب ما نقل الطيبي عن بعضهم من أنه يجوز أن يكون (من) بيانية، أقول: فأين المُبين، نعم لو قال: يجوز أن تكون زائدة لكان له وجه، وإن لم يكن من مواقع زيادة (من)، إلا أن يكون قوله:(بيانية) سهو القلم في مكان (زائدة)، واللَّه أعلم.
ومعنى قوله:(ما لا يعنيه) ما لا يعتني ولا يهتم به المرء، أي: ما من شأنه أن لا يهتم ويشتغل به، من قولهم عنى به، أي: اهتم به واشتغل، وعلى هذا يكون الضمير المستتر في (يعنيه) للمرء، والبارز لـ (ما)، من عناه الأمر: إذا تعلقت عنايته به وكان من غرضه وإرادته، وقال في (القاموس)(١): عناه الأمر يعنوه ويعنيه: أهمه، فعلى هذا المستتر لـ (ما)، والبارز لـ (المرء)، أي: ما يهمه ويجعله ذا هم إليه، والذي يعني الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه مما يشبعه ويرويه، ويستر عورته ويعف فرجه، ونحو ذلك مما يدفع الضرورة، دون ما فيه تلذذ واستمتاع واستكثار وفضول من الأقوال والأفعال وسائر الحركات والسكنات، [و] ما يتعلق بسلامته في معاده، وهو الإسلام والإيمان والإحسان، وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام مما يعدّ تمامه أو نصفه أو ثلثه أو نحو ذلك، وهو من جوامع الكلم.
قال أبو داود: كتبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمس مئة ألف حديث، وانتخبت منها