سببها الباعث عليها إرادة الانتقام، فإن الروح الحيوانية تميل في الغضب إلى جانب المغضوب عليه لتنتقم منه، ولذلك يحمر الوجه وتنتفخ الأوداج عنده، وكذلك في الفرح والسرور تخرج إلى جانب الخارج لتتلقى المحبوب.
ومن ثم كاد أن يهلك الرجل من الغضب والسرور إذا كانا مفرطين؛ لخروج الروح الحيوانية إلى الخارج بالكلية، فتنقطع رابطة تعلقها بالبدن، وفي الغم والخوف تذهب إلى جانب الداخل، ولذا يصفر الوجه ويذبل البدن فيهما، وذلك أيضًا مظنة الهلاك عند الإفراط؛ لدخولها إلى الداخل وانطفائها مطلقًا، ومثل هذا هو السبب في حمرة الخجل، فإنه إذا صدر من أحد ما يُستحيا منه واطلع عليه آخر تنقبض النفس أولًا مثل الخائف، فتعرض الصفرة، تم تسمعه النفس فتستحيي على حالة، فتميل إلى الخارج بسبب التشجيع فيحمر.
وضد الغضب الحلم، وهو أن تكون النفس مطمئنة لا يحركها الغضب بسهولة ولا تضطرب عند إصابة المكروه، كذا قالوا.
قلت: بل عند وصول المحبوب أيضًا، كما يظهر من حديث أشج عبد القيس؛ فإنه لم يضطرب عند رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد وصفه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحلم والوقار، فالأولى أن يفسر الحلم بعدم تحرك النفس عند وجود المزعج والمقلق، تأمل.
والغضب مذموم إذا لم يكن للحق موافقًا للشرع، وأما إذا كان للحق فهو محمود من صفات الكمال كما ورد في وصفه -صلى اللَّه عليه وسلم-: وكان لا يقوم يغضب لنفسه؛ فإذا انتهك من محارم اللَّه غضب، ولا يقوم لغضبه أحد، والمقصود من الرياضة ليس إزالة الغضب مطلقًا وقمعه، ولا يمكن أيضًا، بل كسره وجعله موافقًا للحق، ولو فرضا لم يكن