وقد وقعت الرخصة في المداراة، وهي ليست بمذمومة، بل تستحسن في بعض المواضع، وفي كلامهم: دارهم ما دمت في دارهم، فيفرق بينها وبين المداهنة، ويقال: المداراة ما كان لحفظ الدين من الضياع والتشوش ودفع الضرر والظلم، والمداهنة ما يكون لحظ النفس وطلب الدنيا وجلب المنافع من الناس من غير مبالاة بالدين، وهي مذمومة، فاعلم أنه ضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلًا للمدهن في حدود اللَّه أي: الذي يداهن ويترك الاعتراض والإنكار على من يتعدى حدود اللَّه، ويقع فيها بإرتكاب ما نهى اللَّه عنه.
وقوله:(استهموا سفينة) أي: اقترعوا واقتسموا سكناها بالقرعة، أي: كل أخذ من القوم مكانًا وعينوه بالقرعة، في (القاموس)(١): السهم: القدح يقارع به، والجمع سهام، و (السفينة) مشتق من سفن يسفن: قشره، سمي بها لقشرها وجه الأرض.
وقوله:(يمر بالماء) أي: يجيء بالماء من أسفلها إلى أعلاها، ويأخذ الماء ويذهب إلى موضعه، ففي ذهابه يمر عليهم بالماء ويتأذون من ذلك، وقيل: المراد بالماء البول والغائط ليطرحه في البحر، وهذا أظهر في التأذي، ثم لا يخفى أن ما ذكر من النقر وأخذ القوم بيده ومنعهم عنه كافٍ في التمثيل، وذكر ما قبله من القصة لبيان ذكر الباعث على النقر، وعادة الناس في استهام السفينة ومجيء السافلين فوق السفينة للماء، وتأذي العالين منه، وإن حملت هذه القصة على الواقع وإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- عما وقع