الخصومة والقدرة عليها، والمراد به هنا العناد والمراء والتعصب لترويج مذهبهم؛ لأنهم لو تركوا سبيل الهدى واختاروا الضلال سلكوا طريق الجدل، إذ له خاصية في ذلك بجريان عادة اللَّه تعالى.
وأول الآية:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا}[الزخرف: ٥٧]، ولما نزل قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء: ٩٨] قال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عبد، وذلك مضمون قوله تعالى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}[الزخرف: ٥٧] أي: يضجون فرحًا بما سمعوه، أو يصدون عن الحق ويعرضون، {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}[الزخرف: ٥٨] أي: عيسى، فإن كان في النار فليكن معه آلهتنا، أي: ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدال والخصومة لا لتميز الحق من الباطل؛ لعلمهم أن (ما) لغير العاقل فلا يتناول عيسى، ولهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما قيل- لابن الزِّبَعْرَى الذي جادله: ما أجهلك بلسان قومك، إن (ما) لما لا يعقل. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف: ٥٨] شديد الخصومة.
١٨١ - [٤٢](أنس) قوله: (لا تشددوا على أنفسكم) فإن التوسط والاقتصاد هو المحمود، وهو يدوم ويستقيم ويوصل إلى المقصود، والإكثار يورث الملال، والتشديد يضيع حق النفس وغيره، وخير العمل أدومه، وقد ورد: قليل العمل مع الدوام خير من كثيره مع عدمه، وقد نطقت به الأحاديث وهو السنَّة.