الحكم): العلم إما أن يكون مرادًا للتشدق كالمنطق والجدل ونحوه مما غاية القصد به إفحام الخصم ونحوه، وهذا متروك عند ذوي الدين إلا من حيث إنه كمال في ذاته أو معين على غيره.
وإما أن يكون مرادًا للتخلق كالتصوف على طريق الإمام أبي حامد الغزالي والمحاسبي وغيره، فلا ينبغي أن يهمل علمه ولا يقتصر دون عمل به وإن قل؛ لأنه مقصده، فإن تعذر علمه أو قصر دونه فلا يبطل علمه، إذ لو شرط في العلم العمل لما صح تعلمه للزوم الدور وما هو كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ لو شرط الاتصاف فيه لبطل، وبطلانه باطل للزوم ارتفاعه لذلك.
وإما أن يكون مرادًا للتحقق كالمعارف والأحوال، وهي أمور خاصة لمخصوصين، وفيها وقع الغلط لخلق كثير باعتبار حقائقها، وباعتبار ادعائها، فلزم الوقوف مع المبادئ في الأول؛ لأن السير والسلوك إنما هو لتحقيقها وكمالها وليس ثمة غيرها، ومن فهم غير ذلك فقد ضلّ وأضلّ، فكل ما لا يصح أصله في المبادئ لا يقبل في المناهي، ولزم التوقف عن القبول في الثاني حتى لا يشك فيه لكثرة الغلط، واللَّه أعلم.
وإما أن يكون مرادًا لهما كالفروع الفقهية والأحكام العملية ويتعين قصد الأفضل بها، وإلا لكانت وبالًا على صاحبها، ولإسراع المفاسد للقصد فيها منع المشايخ اشتغال المريد بها وحذروا من الإكثار منها، لأنها يشعب الذهن ويشغله ولكن ذو الحقيقة لا يزيده إلا كمالًا، فلزم الاعتناء بها مع تصحيح النية في المعاوضة وإعطاء كل وقت حقه، واللَّه أعلم، وهذا كلام جامع مفيد شامل للظاهر والباطن، قال شيخنا ومولانا سيدي الشيخ عبد الوهاب المكي المتقي رحمة اللَّه عليه ونفعنا اللَّه ببركات علومه: ولا يقدم علم الباطن على الظاهر، ولا يكتفي بالظاهر عن الباطن، وباللَّه التوفيق.