وقوله:(ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) أي: لينزل منزله من النار، بوأه منزلًا أي: أسكنه إياه، وتبوأت منزلًا: اتخذته، والمباءة: المنزل، وهذا الكلام أمر، ومعناه خبر أو دعاء أي: بوأه اللَّه، واستدل به الجويني والد إمام الحرمين على خلود النار للكاذب عليه تعمدًا وأنه كفر، وإلا فكل كاذب أوعد بالنار، فلا وجه للتخصيص، وضعفه العلماء، وقيل: هذا جزاؤه، وقد يعفى، وقد يتوب، وقيل: الكذب عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- كبيرة وغيره صغيرة.
وقال الشيخ زكريا في شرح ثلاثيات البخاري: إنه ليس للفظ (عَلَيَّ) مفهوم لأنه لا يتصور أن يكذب له، إذ هو منهي عنه مطلقًا، ونقل الأبهري عن الكرماني: كذب عليه: نسب الكلام إليه كاذبًا سواء كان عليه أو له، انتهى. وفي هذا سد للذريعة على من ذهب إليه من الكرامية.
وقد ينسب إلى بعض المتصوفة أيضًا -واللَّه أعلم- أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب زعمًا منهم أنه كذب له لا عليه، والصواب الذي أجمع عليه المحدثون أنه حرام، وقالوا: يدخل في هذا الوعيد من روى حديثًا علم أو ظن أنه موضوع ولم يتبين حاله.
واختلف في قبول رواية من كذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم تاب، والأصح الجواز إذا حسنت توبته، والأكثر على أنه لا يقبل، وقد مرّ الكلام في أن هذا الحديث متواتر أم لا في المقدمة (١)، فتذكر.