فيها، ويستدل بها عليها، ومنه ما ذكر في الكتب السماوية السالفة من صفاته علامة على ذلك، كما استدل بها هرقل عظيم الروم، ولا يخفى عليك أن المعجزات كلها علامات ودلائل على نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد عقد المؤلف بابًا في علامات النبوة، وآخر في المعجزات، لأَنْ يفرق بأن المعجزة يشترط فيه التحدي دون العلامة، وهذا مشهور، ولكن يرد عليه أن كثيرًا من المعجزات لا تحدي فيها، مثل تكثير الطعام في بيت الصحابة، ونبع الماء لتوضئ القوم، ونحو ذلك مما كان بين الصحابة من غير تحدي، وقد اتفقوا على كونها معجزات بلا ريب، اللهم إلا أن يعتبر أن من شأنها التحدي، وسيأتي تحقيق شروط المعجزة في بابها، أو تحمل المعجزات على ما يكون دلالته قطعية، والعلامات يشمل الأمارات، لكنه قد ذكر في هذا الباب شق القمر، وهو معجزة بلا شبهة، بل من أقوى المعجزات وأعلاها.
وقد جاء في الأخبار أن الكفار سألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يريهم ذلك فقال:(اشهدوا)، وذكر فيه الأخبار ببعض المغيبات، وهي معجزات قطعًا حتى اختلفوا في أن إعجاز القرآن إما لكونه مخبرًا عن المغيبات أو لفصاحته وبلاغته، أو يقال: إن المعجزة ما ظهر على يديه في صورة الفعل له، والعلامة ما ظهر فيه أو منه من غير أن يصدر عنه، وهذا أيضًا لا يتم لأن شق القمر كان بإشارته -صلى اللَّه عليه وسلم-. ومن المعجزات ما لم يكن ليصدر عنه كظل القامة وعدم وقوع ظله على الأرض ونحو ذلك، وبالجملة لا يظهر الفرق بين ما جعله المؤلف من العلامات وبين ما جعله من المعجزات، وفي كلا البابين أمور من جنس الأخبار عن الغيوب والتصرف في الكائنات، فلم جعل بعضها من العلامات وبعضها من المعجزات؟ فتدبر.