وفي اشتراط التحدي بهذا المعنى في المعجزة نظر إذ كان كثير من المعجزات يظهر على يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتكثير الطعام ونبع الماء وشكوى البعير وأمثالها بما كان يظهر بين أظهر الصحابة من غير تحد ومباراة ومعارضة، لعدم حضور المخاصمين هناك، وهذا ظاهر، اللهم إلا أن يراد ما من شأنه التحدي، كما أشرنا إليه سابقًا في (باب علامات النبوة)، وكل ما يظهر من خوارق العادات على يدي مدعي النبوة من شأنه ذلك كما لا يخفى.
وقال بعض المحققين: التحدي هو دعوى الرسالة، وهو قريب مما قلنا: إن المراد ما من شأنه التحدي، وهو موجود في المواضع المذكورة ومتضمن له، إذ إظهارها إنما كان لإظهار صدق دعوى النبوة، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في بعض الأوقات عند ظهورها:(أشهد أني رسول اللَّه)، فافهم.
وخرج بقيد المقارنة الخوارق المتقدمة على التحدي، كإظلال الغمام وشق الصدر الواقعين له -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل دعوى الرسالة، وتسمى إرهاصات، والإرهاص: تأسيس البناء بالطين والحجارة، والرهص بالكسر: الطين الذي يبنى به، ويجعل بعضه على بعض، فكان فيها تأسيسًا لأمر النبوة، ويخرج بقيد ظهور صدق دعوى النبوة ما كان يظهر أحيانًا على يد من يدعي النبوة كاذبًا، وكان يظهر على يديه الخارق، وقد جرت عادة اللَّه سبحانه أن لا يظهر موافقًا لدعواه، كما نقل عن مسيلمة الكذاب -لعنة اللَّه عليه- تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت، وتفل في عين أرمد فعمي.