للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ،

ــ

وقوله: (يشهدون ولا يستشهدون) ذم على الشهادة قبل الاستشهاد، وقد ورد: (خير الشهود من يأتي بالشهادة قبل أن يسأل)، فقيل في الجمع بينهما: إن الذم في حق من يعلم كونه شاهدًا، فيشهد قبل أن يسألها صاحبها، والمدح فيمن لا يعلم شهادته، فيخبر بها حتى يستشهد عند القاضي، وقيل: هي الأمانة والوديعة وما لا يعلمه غيره، وقيل: هو مثلٌ في سرعة إجابته إذا استشهد عند القاضي، وحديث المدح مخصوص، وحديث الذم عام فيمن يؤدي الشهادة قبل أن يسألها صاحب الحق فلا يقبل، أو معناه: يتحملون الشهادة بدون التحميل.

وقيل: المدح محمول على شهادة الحسبة كالطلاق والعتاق، أو على مبالغة في أدائها بعد طلبها نحو: الجواد يعطي قبل سؤاله، والذم محمول على من ليس بأهل لها أو على شهادة الزور، وقيل: الذم في حقوق الناس، والمدح في حقوق اللَّه تعالى إذا لم ير المصلحة في الستر، وقيل: أراد بالشهادة المذمومة التألي على اللَّه نحو: فلان في الجنة وفلان في النار.

وقال القاضي عياض (١): وقيل: معناه ههنا: يحلفون كذبًا ولا يُستحلفون كما قال في الرواية الأخرى، وجاء في رواية: (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) (٢)، والحلف يسمى شهادة، قال اللَّه تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية [النور: ٦]، انتهى.

قال الكرماني (٣): فإن قلت: تقديم الشهادة على اليمين وعكسه ورد؟ قلت: أراد حرصهم عليها وقلة مبالاة بالدين بحيث تارة يكون هذا وتارة عكسه.


(١) "مشارق الأنوار" (٢/ ٢٥٩).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٦٥٢).
(٣) انظر: "شرح الكرماني" (١١/ ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>