أراده على القضاء فأبى فحلف عليه ليفعلن وحلف أبو حنيفة لا يفعل، وتكررت الأيمان بينهما فحبسه المنصور ومات في الحبس.
قال الحكم بن هشام: حدثت بالشام عن أبي حنيفة أنه كان من أعظم الناس أمانة، وأراده السلطان على أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره، فاختار عذابهم على عذاب اللَّه تعالى.
وروي أنه ذكر أبو حنيفة عند ابن المبارك فقال: أتذكرون رجلًا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففرّ منها.
كان رَبْعة من الرجال، وقيل: كان طُوالًا تعلوه سمرة، حسن الوجه، أحسن الناس منطقًا، وأحلاهم نعمة، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لأعوانه.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيت رجلًا لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته، وقال الشافعي: من أراد أن يَتَبَحَّرَ فِي الفقه فهو عيال على أبي حنيفة.
وقال أبو حامد الغزالي (١): روي أن أبا حنيفة كان يحيى نصف الليل فأشار إليه إنسان وهو يمشي وقال لغيره: هذا هو الذي يحيى كل الليل، فلم يزل بعد ذلك يحيى الليل كله، وقال: أنا أستحي من اللَّه تعالى أن أوصف بما ليس فيَّ من عبادته.
وقال شريك النخعي: كان أبو حنيفة طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس، وهذا من أوضح الأمارات على علم الباطن والاشتغال بمهمات الدين، فمن أوتي الصمت والزهد فقد أوتي العلم كله، ولو ذهبنا إلى شرح مناقبه وفضائله لأطلنا الخطب ولم نصل إلى الغرض، فإنه كان عالمًا عاملًا ورعًا زاهدًا عابدًا إمامًا في علوم