بالبول، ولهذا يقيد بالماء القليل، والكثير في حكم الجاري، وقيل: ولو كان كثيرًا أيضًا، فإنه وإن لم يتنجس لكن لعله يتغير بسبب تعاقب الناس عليه بالبول تأسيًا به، فيكره البول فيه نهي كراهة، وستعرف معنى القليل والكثير، والماء وإن كان كثيرًا لا يجوز الوضوء إذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وقد جوز النصب بإضمار (أن) وإعطاء (ثم) حكم (١) واو الجمع في مثل: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وتعقب بأنه يقتضي أن يكون المنهي عنه هو الجمع بين البول والاغتسال دون إفراد البول، وليس كذلك، بل البول منهي عنه سواء أريد الاغتسال فيه أم لا، كما يدل عليه حديث جابر، وقد قال بعض الشافعية في الماء الجاري أيضًا إذا كان قليلًا بالكراهة، ثم تخصيص الاغتسال بالذكر اتفاقي، وحكم الوضوء أيضًا كذلك، وكذلك تخصيص البول، والتغوط كذلك.
هذا، وقد أغرب شيخ شيوخنا في الحديث الشيخ ابن حجر المكي وقال: هذا التفصيل كله في غير الليل، أما فيه فيكره قضاء الحاجة في الماء مطلقًا؛ خشية أن يؤذيه الجن، لما قيل: إن الماء بالليل مأوى لهم.
وقوله:(وفي رواية لمسلم) لا يظهر وجه ذكر هذا الحديث بهذه العبارة، وليس هذا رواية في الحديث الأول، بل هو حديث برأسه، وإن كان بيانًا لحكم الماء الراكد، فالظاهر أن يقول: وعنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يغتسل أحدكم. . .) الحديث، وبهذا النسق ذكر في (المصابيح)، وحديث جابر الآتي أولى بأن يذكره بهذه العبارة.
وقوله:(لا يغتسل) يروى بالرفع والجزم، والمراد ههنا أيضًا القليل، فإن الكثير
(١) قال القاري نقلًا عن ميرك: فيه نظر؛ لجواز أن يكون مثل قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: ٤٢] والواو للجمع، والمنهي ههنا الجمع والإفراد، بخلاف قوله: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، "المرقاة" (٢/ ١٧١).