قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقصد، أو يجور
فلما قال عمرو بن هند لعبد عمرو ما قال طرفة فيه، قال: أبيت اللعن! ما قال فيك أشد مما قال في، فأنشده الأبيات، فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من أمره أن يقول في مثل هذا الشعر؟ فاغتاظ وكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين، وهو المعلى ليقتله، فقال له بعض جلسائه: إنك إن قلت طرفة هجاك المتلمس رجل مسن مجرب، وكان حليف طرفة وقريبه من بني ضبيعة، فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمس فأتياهن فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين لقتلهما، وأعطاها هدية من عنده وحملهما، وقال: قد كتبت لكما بحباء، فخرجا حتى نزلا الحيرة، فقال المتلمس لطرفة: والله إن ارتياح عمرو لي ولك لأمر عندي مريب، وإن انطلاقي بصحيفته لا أدري ما فيها لشيء مريب أيضًا، فقال طرفة: إنك لتسيء الظن، وما نخاف من صحيفة، إن كان فيها الذي وعدنا، وإلا رجعنا من حيث أتينا؟ وأبى أن يجيبه إلى النظر فيها، ففك المتلمس ختم صحيفته، ثم جاء إلى غلام من أهل الحيرة، فقال له: أتقرأ يا غلام؟ فقال: نعم، فأعطاه الصحيفة فقرأها، فقال الغلام: أنت المتلمس؟ قال: النجاء قد أمر بقتلك، فأخذ الصحيفة، فقذفها في نهر الحيرة، ثم أنشأ يقول:
وألقيتها بالثني من جنب كافرٍ ... كذلك ألقي كل رأيٍ مضلل
رضيت لها بالماء لما رأيتها ... يجول بها التيار في كل جدول
فقال المتلمس لطرفة: تعلمن والله أن الذي في كتابك مثل الذي في كتابي، فقال طرفة: لئن كان أجترأ عليك ما كان بالذي يجترئ علي، وأبي أن يطيعه، فسار المتلمس من فوره حتى أتى الشام، فقال في ذلك: