يتكلموا به البتة، بل تكلموا به دهرًا طويلًان ثم أماتوه بإهمالهم استعماله، فلما جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب وجدوه مماتًا، إلا ما سمع منه سماعًا نادرًا، فقد قرئ في قوله تعالى {ما ودعك ربك وما قلى} بالتخفيف، وأيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوا الحبشة، وما ودعوكم) وسمع منه المصدر في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات، أو لأحرقن عليهم بيوتهم) أي عن تركهم إياها، وقال الشاعر:
وثم ودعنا آل عمرو وعامر ... فرائس أطراء المثقفة السمر
وسمع منه اسم الفاعل واسم المفعول في أبيات من الشعر، قال خفاف بن ندبة:
إذا ما استحمت أرضه من سمائه ... جرى، وهو مودوع، وواعد مصدق
هذا رأي أكثر النحاة، وقال محب الدين الخطيب، شارح شواهد الكشاف: فقد رويت هذه الكلمة، أي (ودع) عن أفصح العرب، ونقلت عن طريق القراء، فكيف تكون إماتة؟ وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله، فيجوز القول يقلة الاستعمال، ولا يجوز القول بالأماتة، وأضيف أن كثيرًا من النحاة يقولون في ماضي (عم ويعم) ما قيل في ماضي (دع وذر) كما سأشير إلى ذلك في البيت ٦ من معلقة زهير إن شاء الله تعالى.
شيئًا: الشيء هو في اللغة عبارة عن كل شيء موجود، إما حسًا كالأجسام، وإما حكمًا كالأقوال، نحو قلت شيئًا، وجمع الشيء أشياء غير منصرف، واختلف في علته اختلافًا كثيرًا، والأٌرب ما حكي عن الخليل أن وزنه شيآء وزان حمراء، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع، فنقلت