قال الإمام البغوي في "شرح السنة" ٥/ ٢٧٨: قوله: "ما حق امرئٍ" معناه: ما حقُّهُ من جِهَةِ الحَزْمِ والاحتياط إلا ووصيّتُه مكتوبة عنده، لأنه لا يدري متى يُدركه الموتُ، فربّما يأتيه بغتة، فيمنعه عن الوصية. وفيه دليلٌ على أنَّ الوصيةَ مستحبة غيرُ واجبةٍ، لأنه فوَّض إلى إرادته، فقال: "له شيءٌ يوصي فيه" يعني: يُريد أن يوصيَ فيه، وهو قول عامة أهل العلم. وذهب بعض التابعين إلى إيجابها ممن لم يجعل الآية مَنسوخةً في حقّ الكافّهِ، ثم الاستحبابُ في حقِّ من له مالٌ دونَ من ليس له فضلٌ، وهذا في الوصيّة المتبرع بها من صدقةٍ وبرٍّ وصلةٍ، فأما أداءُ الديون والمظالم التي يلزمه الخروج منها، ورَدُّ الأماناتِ، فواجب عليه أن يوصيَ بها، وأن يتقدَّم إلى أوليائه فيها، لأنَّ أداءَ الحقوقِ والأماناتِ فرضٌ واجبٌ عليه. قلنا: ظاهر قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ … ﴾ العموم في كل والد ووالدة وكل قريب، والمراد بها في الحكم البعض منهم لا الجميع وهو من لا يرث منهم دون من يرث لقوله ﷺ "إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث" فالآية محكمة لم ينسخ منها شيء.