رأيُ الإمَامِ التِّرمذيِّ في مَسْأَلةِ الأسماءِ والصِّفَاتِ:
إنَّ مسألةَ الأسماءِ والصفاتِ تُعدُّ مِن أجلَّ وأعظمِ ما تُكلم فيه مِن أصول الاعتقاد، وقد اختلفت فيها مقالاتُ الإسلاميين، فمنهم مَنْ قال بالنفي المحض، ومنهم من أقرَّ بأسماء الله في الجملة ونفى الصفات، ومنهم من أقرَّ بالأسماء والصفات، لكن تأوَّل طائفةً منها وصرفها عن ظاهرها لدليل قام عنده، ومنهم مَنْ ذَهَبَ إلى الإيمان بكل ما وَرَدَ في كتاب الله وصحيح السنة مِن الأسماءِ والصفات، وإمرارها على ظاهرها، ونفي الكيفيةِ والتشبيه والتمثيل عنها، فهو ﷾ لا يُشبه شيءٌ مِن صفاته صِفات الخَلْقِ، كما لا تشبه ذاتُه ذواتِ الخلق، قال الله سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، وأصحابُ هذا القول هم سلفُ الأمة، وعلماءُ السنة، تلقَّوها جميعًا بالإيمانِ والقبول، وتجنبوا فيها التمثيلَ والتأويلَ، ووكلوا العلمَ فيها إلى الله.
والإمام الترمذي يجري في مضمارِ هذا الرأي الأخير، ويتقلَّدُ قولَ القائلين بهِ مِن أهل السنة والجماعة، ويرتضيه ويدينُ به. فقد قال ﵀ بإثْرِ حديثِ أبي هريرة المرفوع الذي أخرجه في "الجامع" برقم (٦٧٠)"إنّ اللهَ يقبلُ الصدقةَ ويأخذُها بيمينه، فيُرَبِّيها لأحدكم كما يُربي أحدُكُم مُهْرَهُ … ": هذا حديثٌ صحيح، وقد رُوي عن عائشة عن النبيَّ ﷺ نحوُ هذا، وقد قال غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم في هذا الحديثِ وما يُشْبِهُ هذا من الروايات والصفات،