مصنفات الحديث والسنة، فهو مِن أوثق المراجع وأقدمِها في الخلاف سيما في معرفة المذاهب المهجورة، كمذاهب الأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وكان من حسناته أنه حفظ للمتأخرين مذهب الشافعي القديم.
ولم يكن التقليدُ شائعًا في العصر الذي كان فيه الترمذي كما هو عليه الآن من الالتزامِ الكامل للمذهب، بل كان العالمُ المتمكِّن يبحث في المسألة الخلافية، ويطَّلع على الأدلة، ويوازنُ بينها، ثم يأخذ بما هو أقربُ إلى الصواب، سواءٌ وافقَ الإمامَ الذي التزم مذهبه أو خالفه.
ومن هنا نجد الإمام الترمذي يقف في جامعه من المذاهب والآراء موقف المحتكم إلى السنة النبوية، والاستدلال بها، فيرجح منها ما شهد له الحديثُ الصحيح، أو كان دليلُه أقوى في نظره حين ينقدح في ذهنه وجه الترجيح، ولا يلتزم مذهبًا معينًا، بل هو دائر مع قوة الدليل، شأنه في ذلك شأن علماء عصره الذين لم يكونوا يرضَون لأنفسهم التقليدَ، لا حفاظُ الحديث، ولا أئمة الفقه، فهو يَسْرُدُ المذاهبَ، ثم يُرجح بينها، فهو في هذا مُتَّبع، وهي منزلة بين التقليد، وبين الاجتهاد، وعليه يُمكننا أن نقول: إن اجتهاد الترمذي في مرتبة الترجيح على طريقة أهل الحديث.
وهو يقصد بقوله: أصحابنا، الفقهاء المجتهدين من أهل الحديث، كمالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه، وفي "الجامع" أمثلة غير قليلة تدل على ذلك.