وهذه القطعة الأخيرة أخرجها أحمد في "المسند" (٧٤٥٠) من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح بلفظ: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة". قوله: "صفدت الشياطين، ومردة الجن … " قال القاضي عياض في "شرحه"، ونقله عنه الحافظ في "الفتح" ٤/ ١١٤: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كلَّه علامةٌ للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال: ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم (١٠٧٩) (٢): "فتحت أبواب الرحمة"، قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات، وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. وقال التوربشتي شارح "المصابيح": فتح أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة، وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد، تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش، والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات. وقوله: "وينادي منادٍ" قال السندي في حاشيته على "المسند": فإن قلت: ما فائدة هذا النداء مع أنه غير مسموع للناس؟ قلت: قد علم الناس به بإخبار الصادق، وبه يحصل المطلوب بأن يتذكَّر الإنسان كلَّ ليلةٍ بأنها ليلة المُناداة، فيتعظ بها. "أقبل" أي: على فعل الخير، فهذا أوانك، فإنك تعطى جزيلًا بعمل قليل. "أقصر" من الإقصار بمعنى الكف، أي: أمسك وتُبْ، فإنه أوان قبول التوبة