ما قدمناه من حديث ابن عمر، وحديث عبد اللَّه بن زيد سالمًا من المعارض، ويترجح عدم الترجيع؛ لأن حديث عبد اللَّه بن زيد هو الأصل في الأذان، وليس فيه ترجيع، فيبقى معه إلى أن يتحقق خلافه، لكن خلافه متعارضٌ فلا يرفع حكمًا تحقّق ثبوتُه بلا معارض، انتهى.
وقال التُّورِبِشْتِي: حديث أبي محذورة عند من لا يرى الترجيع مؤول على أن أبا محذورة لم يرفع صوته بتلك الكلمات التي هي علم الإيمان ومنار التوحيد، فأمره أن يرجع فيمد بها صوته، ذكر ذلك أبو بكر الرازي، وهو تأويل حسن مستقيم، تشهد له قصة الحال بالإصابة، وذلك أن أبا محذورة كان في جماعة من مشركي مكة، شردوا في الجبال بعد فتح مكة، فسمعوا منادي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينادي بالصلاة، فطفقوا ينادون ويستهزؤون به، فبلغ الصوت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأرسل في طلبهم، فأتي بهم، فقال: أيكم الذين سمعت صوتهم؟ فأشاروا إلى أبي محذورة فأطلقهم وحبسه.
ثم قال: قم فأذن بالصلاة، فقال أبو محذورة: فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا مما يأمرني به، فقمت بين يديه فألقى إلي التأذين هو بنفسه، وذكر الحديث، فكأنه لشدة كراهته تهاون في رفع الصوت، فأمره أن يرجع، فيمد صوته بالشهادتين؛ لأنهما كانتا هما الموجبتين لكراهته.
وقال: وعلى هذا الذي ذكرت أراه محتملًا لوجه آخر، وهو أن يكون قصد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الشهادتين عرض الإسلام عليه، وإنما استحسنا التأويل؛ لأن الترجيع لم يذكر في شيء من الأحاديث إلا في حديث أبي محذورة، لا في حديث بلال، وهو زعيم المؤذنين، وإليه المرجع في سنة الأذان فهو المتبوع، ولم يرو عن ابن أم مكتوم ولا عن سعد القَرَظ مؤذن مسجد قباء، ولم يرو عن أحد الترجيع إلا ما رُوي عن أبي