للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونقل ابن فرحون وابن الجوزي هذا القول من مالك -رحمه اللَّه- واتفاق جماعة من العلماء على ذلك، ورجح الشيخ ابن حجر العسقلاني وكثير من علماء الحديث هذا القول.

وقال ابن أبي جمرة من كبار علماء المالكية -رحمهم اللَّه-: يحتمل أن يكون عين هذه البقعة روضة من رياض الجنة، أنزلت منها إلى المسجد، كما ورد في الحجر الأسود ومقام إبراهيم، وبعد قيام الساعة ينقل إلى مقامه الأصلي، ونزول الرحمة واستحقاق الجنة من لوازم ذلك، فكما أن الرتبة الخليلية الإبراهيمية اقتضت الاختصاص بحجر من الجنة اقتضت الدرجة الحبيبية المحمدية بروضة منها، وشتان ما بينهما، ولو رئي في العين الظاهر مثل سائر الأراضي الدنيوية لم يبعد؛ لأن الإنسان ما دام محجوبًا بالحجب الكثيفة الطبيعية والأحكام العادية البشرية لم ينكشف عليه حقائق الأشياء، ولم يدرك الأمور الأخروية، وقد ورد: (أحد جبل من جبال الجنة) (١)، ولم يقل أحدٌ: إن العبادة في جوار أُحد توصل إلى النعيم، فإن قال قائل: لو كان من الجنة لثبت خواصها ولوازمها فيه من عدم الجوع والظمأ ونحوهما؟ فالجواب أن تلك الخصائص واللوازم انفكت بعد خروجه منها، كما في الحجر الأسود.

وإن قيل: أمثال هذه الأمور لا يثبت إلا بسماع وإخبار من الشارع، وقد وردت الدلائل والشواهد في الركن والمقام؟ قلت: كفى دليلًا وشاهدًا على ذلك ورود هذا الحديث الصحيح المتفق عليه، ولو قاموا في مقام التأويل فكلا الخبرين يصلح للتأويل، ولو حملوا على الحقيقة فهي ثابتة فيهما، فما الفرق؟ واللَّه أعلم، ومنه التوفيق، وبيده


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>