وإمامنا الأعظم يسجد في الكل بعد السلام، ورجح هذه الأحاديث على غيرها بكثرتها وقوتها، فقد جاء في الكتب الستة عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه سجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد السلام، وإن جاء فيها أيضًا عن عبد اللَّه ابن بحينة -رضي اللَّه عنه- أنه سجد قبلها، كذا ذكره الشيخ ابن الهمام (١)، أو بحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وعبد الرزاق عن ثوبان -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم، وتقريره أن فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء متعارضًا فتمسكنا بقوله، وهو أقوى عندنا من الفعل كما ثبت في أصول الفقه خصوصًا عند التعارض، لكن ضعف البيهقي إسماعيل بن عباس الذي تفرد بحديث ثوبان -رضي اللَّه عنه-، والحق أنه ثقة؛ لأن يحيى بن معين -الذي هو أشد المحدثين في تحقيق الرجال، ويقال له: محك الرجال- وَثّقَهُ، وقد حققه الشيخ ابن الهمام.
وقد يرجح أيضًا بالقياس على ما هو المذهب من الرجوع إلى القياس عند تعارض الحديثين وتقديم الحديث الذي يوافق القياس، وهو أن سجدة السهو لا تتكرر، فينبغي أن تكون بعد السلام، حتى لو سها عن السلام جبر عنه أيضًا كذا قال الشُّمُنِّي، وقال أيضًا: وهو قول سعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود وعمار بن ياسر وابن عباس وابن الزبير رضي اللَّه عنهم أجمعين.
وقال الإمام مالك: كل سهو للنقصان سجد له قبل السلام، ولسهو الزيادة بعد السلام، قال: وإن اجتمع السهوان سجد لهما قبل السلام، وعليه المزني وأبو ثور من أئمة الشافعية، ورجح ابن عبد البر قوله على أقوال الأئمة بأن فيه جمعًا بين الخبرين.
وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ،