ولا يخفى أن الجمع بين الخبرين في هذا المذهب إنما هو باعتبار أن السجدة واقعة في الصورتين أعني قبل السلام وبعده، لكن يلزم فيه مخالفة بعض الأحاديث كحديث ذي اليدين فإن فيه سهوًا بالنقصان، ومع ذلك السجدة فيه بعد السلام، وأيضًا هذا التوزيع في الفعلين إنما يصح على تقدير إن لم يثبت الحديث القولي من ثوبان، ولما ورد ذلك مطلقًا سواء كان في الزيادة والنقصان، سقط هذا التوزيع الذي اعتبره مالك رحمه اللَّه، ولزم حمل اختلاف الفعلين على جواز الأمرين.
وقال ابن عبد البر أيضًا في ترجيح مذهب مالك رحمه اللَّه: إن هذا الفرق موافق لنظر العقل؛ لأن في النقص جبرًا، فينبغي أن يكون داخل أصل الصلاة، وفي الزيادة ترغيم الشيطان، فينبغي أن يكون خارجًا، وتعقب بأن كون السجود في الزيادة لأجل ترغيم الشيطان فقط ممنوع، ففيه أيضًا معنى الجبر من جهة دفع الخلل، والزيادة في الصلاة نقص، وإن كان في صورة الزيادة وصورة النقص أيضًا تتضمن ترغيم الشيطان، وأيضًا لماذا وجب أن يكون الترغيم خارج الصلاة؟ لم لا يكون الترغيم فيها؟ والترغيم ليس فعلا زائدًا على السجدة، وهو من جنس الصلاة.
وقال الثوري: أقوى المذاهب قول مالك، ثم قول أحمد، وقال آخرون: بل مذهب أحمد أقوى إذ ليس فيه مخالفة الحديث قط، وهو يعمل كل حديث فيما ورد فيه، ومذهب أحمد رحمه اللَّه في كل موضع سجد فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل السلام يسجد قبله، وكل موضع سجد فيه بعده يسجد بعده، وفي غير تلك المواضع يسجد قبله؛ لأن هذا أوفق بالنظر إلى الظاهر؛ لأن السجدة لجبر نقصان الصلاة، وإنها من جنس الصلاة، فلأن يفعل داخلًا فيها قبل الخروج منها أولى وأحسن، ونقل عن أحمد رحمه اللَّه أنه قال: لو لم يكن في هذا الباب شيء مرويًا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكنت حكمت أن السجدة